شكرا علي الموضوع و علي النقاش حوله
لأول وهلة عندما قرأت كلمات الأخت الكريمة حنان تذكرت مباشرة هذا الحدث فأردت أن أسرد محتواه , فأنه حتما له علاقه مع مضمون هذا الموضوع .
الحدث يعرض حالة جمالية تربوية في ثقافة دولة غربية , و أنا كوني كفرد مشترك في هذا الحدث أى بمعايشتي لهذا الحدث صوت و صورة.
مناسبة الحدث كان في مناسبة أحتفال أضطرارى بعيد ميلادى , فأنا قبل هذا الاحتفال المميز كنت لا أحتفل بعيد ميلادى , و في الحقيقة كان كلما يحضر لي ذكرى يوم مولدى أستشعر بيني و بين نفسي كيف كانت أمي سعيدة في هذا اليوم حين ولدتني , فأشعر بالسعادة لأنني كنت سببا لسعادتها في هذا اليوم لذلك السبب كنت لا أحتفل بيوم مولدى (كعيد ميلادى ) و لكن أحتفل بهذا اليوم لكونه أجمل الأيام في حياة أمي.
أحداث هذه المناسبة , كانت قد عزمتني احدى الزميلات في مطعم للاحتفال بعيد ميلادى , هذا منذ زمن بعيد , فقبلت الدعوة اضراريا وكان الاحتفال عبارة عن التوجه كلنا جماعة الي هذا المطعم و تناول الطعام فيه , و في الحقيقة كان اختيار شكل المطعم جذاب وظريف و الا يكون الاحتفال بهذه المناسبة غير مميز و عادى .فكانت الكراسي يبدو عليها الطابع الهولندى القديم ذات اللون البني القاتم , فيشعرك بأن المكان ضارب في الزمان ,أو يشعرك و كأنك تتطلع الي الزمن القديم خلال نافذة هذا الزمن الحديث الذى نعيش فيه, , و هذه ربما تكون احدى سمات هذا المطعم العريق, كل ما جذبني هو شكل تصميم الكراسي المميز و بوابة دخول المطعم عند دخولي .
كان معنا طفلا يبلغ الخامسة أو السادسة من عمره هو أبن شقيقة زميلتي و التي كانت هي أيضا معنا و كذلك كان برفقتنا زوجها.و جلسنا مستمتعين بمناسبة يوم ميلادى ننتظر الطعام الذى يعده الطباخ لنا, فكنت أوزع ابتساماتي عليهم في هذا اليوم في صمت وكنت مندهشا من نفسي لأنني أخترت أن يكون الاحتفال بهذه الطريقة , في الحقيقة لا أعرف هل أنا أخترت أم لا , فأنا وافقت علي العزومة خجلا (ليس هذا هو المهم في هذا الموضوع), كنت أداعب الطفل و أتأمله و أتذكر نفسي عندما كنت في عمره , و تأتي الي ذهني صورا من ذاكرتي البعيدة تتوالي في ذهني فأتذكر والدتي , و فجأة أستيقظت من غرقي في أحلامي علي مداعبة هذا الطفل لي, فبادلته المداعبة بابتسامة , وبعد فترة بينما كنت أنظر له فوجدت تعبيرات وجهه فجأة قد تبدلت وأصبح كأنه رأى شيئا مخيفا , بدأ ينظر حوله بأستغراب , و بدأ يسأل والده كأنه يستنجد به أو شيئا كهذا , قائلا : بابا , بابا و كان يشير بأصابعه نحو أحد حوائط المطعم خلفي.. و يقول .. لماذا.؟ لماذا يا بابا؟... أين بقية جسم هذه الغزالة ؟ ثم بدأ وجههه يحتقن و يقول متسائلا : لماذا يقطع الناس رؤوس هذه الحيوانات ؟ .. ثم أرتفع صوته رويددا رويدا مجهشا ببدايات البكاء قائلا : لماذا يقتل الناس هذه الغزالة ؟ و أستمر متسائلا بصوتا أعللي لماذا يقطعون رؤوس هذه الحيوانات و يعلقونها هكذا معذبة , حتي أصبح المطعم كله صامت الا من صوت هذا الطفل و وتوجهت أنظار الجالسين نحو الطفل , ووجدت أنفاسي أنا أيضا قد تسرب اليها مشاعر هذا الطفل الحزينة و بدأت تحتبس أنفاسي أنا أيضا و كأنني أشاركه الشعور دون أن أنظر الي ما يشير عليه من أثر حجم الموقف.و المفاجأة . ثم أجهش الطفل بالبكاء الشديد. ووجدت زميلتي تقترب مني و تتأسف لي , فسألتها .. ماذا حدث للطفل؟ , فقالت لي أن هذه الحيوانات المعلقة (تقصد رؤوس الغزال التي قد يراها كثير منا في المطاعم و القصور و المنازل ) , يعلمونها للأطفال في الكتب بأنها حيوانات لطيفة وأنيسة و تجرى علي ألسنتهم أجمل القصص . فالمفاجأة لهذا الطفل أنه وجد هذه الحيوانات ذات القصص الجميلة معلقة رؤوسها, علي الحوائط و كأن الانسان هو الذى قتل هذه الحيوانات و مثل بها بهذه الطريقة. نظرت الي الحائط خلفي فوجدت رأس غزالة بشكلها المألوف معلقة علي الحائط , و أخرى هناك معلقة , أذكر عند دخولي المطعم قد رأيتها بشكل سريع و لكن لم تجذب اهتمامي , فهي أيضا نوع من الجمال الذى يتجمل به بعض المطاعم , و قد تراها أيضا في بعض المنازل كزينة ,و قد ترى أيضا غيرها من الطيورو الحيوانات المحنطة و بدأت أتأمل وجه الغزالة بعد أنتهاء الموقف وهدوء الطفل بأجابات والده فوجدته فعلا يثير الشفقة و العطف و يشعرك بحجم الألم ٍالذى عاشه هذاالحيوان .
أعتقد أن هذا المشهد قد يكون هو الأول من نوعه لهذا الطفل , فبعد أن فهم الطفل الحياه بأنها جميلة علي لسان هؤلاء الحيوانات في شكل القصص المقدمة له في الكتب أو القصص التليفزيونية و غيرها , أصابته الدهشة حين رأى أحد هذه الحيوانات الجميلة دون جسم , فكان لا بد أن يتساءل بهذا الحزن العميق , و بالتالي تم في داخله تقييم هذا المشهد فأصبح الأنسان بالنسبة للطفل هو المجرم و هو الذى مزق الصورة الجميلة التي يعيشها الطفل مع الحيوانات في كتابه الصغير.قبل النوم . لاحظ أن هذا الطفل لا يعلم أنه يأكل هذه الحيوانات في شكل وجبات غذائية لذيذة يستمتع بها.
أستاذتي الكريمة حنان حجار , هذه القصة تشبه الي حد ما القصة التي حدثت بينك و بين أبنتك , لا أعلم كم يبلغ عمر طفلتك الآن , الاختلاف فقط هو أن في قصتي أن الانسان هوالذى يعلم الطفل الأشياء الجميلة علي ألسنة الحيوانات , و في الجانب الآخر الشرعي في الحياه يقتلها , و يأكلها و يصنع منها أحتياجاته و يزين بها الأماكن , و هذا لا غبار عليه.
أن رأى الأستاذ باسم.في تحليله التربوى للثعبان و العقرب يعد منطقيا , و يتناسب مع جوهر الموضوع كعنصر تربوى , فبالطبع الطفل يسأل , و الأب و الأم يجب أن تكون لديهم الاجابات جاهزة للرد بها عليهم , وهذا دور الآباء , و عندما يبلغ الطفل الثامنة عشر عتقد أنه يكون قد أنتهي دور الآباء في حياته , لا أعني أن دور الآباء قد أنتهي , أى لا أهمية له , فدورهم قائم ومستمر و مهم حتي آخر لحظة في حياتهم , وقد ذكرت انطلاق الطفل في حياته بمعني الالتقاء مع نفسه و مع ما حوله بمشاعره و ذهنه و فكره الخاص فينمو فكره و حسه ومن ثم يتأمل الحياه بكيفية أخرى , و هذه هي حكمة أنشودة الحياه اذا سمينها هكذا.
بالطبع الانسان يتساءل طالما يحيا , و هو يهتدى الي اجابات , هذه الاجابات قد تكون غير مقنعة أثناء رحلته مع الحياه فيتحول عنها ليبحث عن اجابات أخرى .
أما الجمال فهو نسبي و يرتبط بالحضارات و الأزمان و الثقافات و الأماكن كما تحدث الأستاذ (معلم فن) في مشاركته عاليه , ففي العصور الغابرة كان الانسان الحجرى يرى الجمال مثلا في المرأة الثمينة , و في عصر الرومان مثلا أبتكرالفنان نسب جمالية جديدة في جسم الانسان وفي ملامح وجهه بنسب جمالية لاتوجد أصلا في الواقع (علي سبيل المثال تماثيل الرومان ), و هذا التبديل أذا صحت التسمية هو ما يفعله الآن مصممي الاعلانات التجاريةفي العصر الحديث بتحسين ملامح الجسم و الوجه عن طريق برامج الكومبيوتر ( الفوتوشوب و غيرها ) حتي تصل الي الجمالية و غيرها من نسب الجمال في كل مكان .
أما الجمال في الفن الاسلامي فهو حالة تعبيرية شعورية تستحق التقدير, وللأسف حتي الآن لم يطرح الحوار عنه الا القليل , فترجمة الفنان المسلم أحاسيسه بهذه الكيفية التي نراها في شكل الوحدات الزخرفية المتكررة اذا سمينها هكذا ,انما هي تعبر عن مفهوم اللانهائية لذات الله عز و جل , هذه اللا نهائية هو جوهر الأيمان و منطلق رحلة الحياه في الدنيا و الحياه الآخرة.
و لنا حوار آخر في هذا الشأن.
أحييكم , و الي أن نلتقي,
شوقي عزت
Bookmarks